إيقاف أهل الإيمان على أحوال الصوفية ببلاد السودان
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم على نبينا محمدٍ و على آله وصحبه أجمعين
و بعد .
فقد جرى علماء الإسلام قديماً و حديثاً على الفصل و التمييز بين الحق و أصحابه و الباطل و أربابه نصحاً لله و لكتابه و لرسوله صلى الله عليه وسلم و لائمة المسلمين و عامتهم فوقفوا المواقف المشرفة في ذلك و الفوا المؤلفات و صنفوا التصانيف العديدة في هذا .
فقد كتب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) و كتب (الفرقان بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان ) و ألف شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى (مسائل الجاهلية) و (الأصول الستة)، و في الأصل الخامس منها : ( بيان الله لأوليائه و تفريقه بينهم و بين المتشبهين بهم من أعداء الله المنافقين و الفجار ) ، كان كل ذلك منهم اهتداءً و اقتداءً بما دل عليه القرآن و سنة سيد ولد عدنان صلى الله عليه و سلم ، فقد قال الله تعالى { و كذلك نفصل الآيات و لتستبين سبيل المجرمين }.(الآية 55 الأنعام).
و في البخاري من حديث جابر رضى الله عنه : ((و محمد فرّق بين الناس)) و سيراً على طريقة الكتاب و السنة و ما عليه علماء الأمة كانت هذه المقالات عن كتاب الطبقات ، يسر الله إتمامها .
و كتاب ( الطبقات في خصوص الأولياء و الصالحين و العلماء و الشعراء في السودان) لمؤلفه (محمد ضيف الله بن محمد الجعلي الفضلي )( ت: 1224هــ).
الذي نسجه مؤلفه على طريقة كتاب ( لواقح الأنوار في طبقات الأخيار) المعروف بــ(طبقات الشعراني)(ت:973هــ) .
كتاب ذائع و رائج و مستحسن لدى الصوفية قاطبة ، و لا منكر منهم لشيء مما جاء فيه إلي يومنا هذا . فقد ترجم فيه مصنفه لكثيرٍ من أولياء المتصوفة ببلاد السودان ، و والله الذي لا إله غيره و لا رب سواه لو قال قائلٌ عن هذا الكتاب : انه ترجمة لأولياء الشيطان لأصاب الحقيقة و ما أخطأها ، و سترى شواهد هذا إن شاء الله في حلقات متتابعة سأعرض فيها بعض تراجم من ترجم لهم محمد ضيف الله ، يظهر بها ما عليه القوم من الفسق و المجون و الكفر و الزندقة و الخروج عن الشريعة ، و إن مما يؤسف له حقا و يتقطع له القلب أسىً و كمداً أن يكون كل ذلك تحت مسمى و مظلة الولاية و الصلاح و إلي الله المشتكى و هو المستعان.
***********************************
-مع ترجمة الشيخ محمد الهميم :
قال صاحب الطبقات (ص 148):(محمد الهميم بن الصادق بن ماشر الركابي ، أخذ الطريق من الشيخ تاج الدين البهاري . سلـّكه وأرشده و أوصله مقامات الأولياء و وكله في مكانه و قال لتلامذته : مثل ما ابتعاينوا [1] لي عاينوا لـُه ).
أقول : كلام صاحب الطبقات ظاهر في أن الشيخ محمداً الهميم معدود من جملة الأولياء بل أنه بلغ منزلة رفيعة حتى صار خليفة لشيخه ، و لك أخي القارئ ان تسأل عن حصيلة هذا الرجل العلمية التي أهلته ليكون خلفاً لشيخه .
- منزلته العلمية ::
قال صاحب الطبقات (صــ105ــ) : ( و شطح الشيخ شطحاً مع كونه أمياً لم يقرأ إلا لغاية الزلزلة )
و قال (صــ 156ـ ) :(فانظر في هذا الشطح [2] العظيم الذي لم يقع إلا من الجيلي و البدوي و الرفاعي ، قد وقع من رجل أميّ لم يقرأ شيئاً إلا من الناس إلي الزلزلة ).
هذه حصيلة الشيخ العلمية ، فهو رجل أميّ لا يعرف القراءة و لا الكتابة ولا يحفظ من القرآن إلا من الناس إلي الزلزلة ، هذا هو الخليفة فما حال التلاميذ الذين أحيلوا عليه ؟ ترى ما الذي سيدرسون عنده ، أتراه سيدرسهم شيئاً من كتب السنة و الحديث و الفقه و الأصول و العقيدة و اللغة و التفسير ؟ كلا بل هو بحاجة إلي من يعلمه القراءة و الكتابة فضلاً عن غيرهما .
أبهذا تنال الولاية ؟ ::
هذا الولي ! له غرائب و عجائب منها :-
1. انه تزوج تسعين امرأة جميعهن تحته .
2. أنه غصب اَمَةً من سيدها.
3. أنه جمع بين الأختين.
4. أنه قال إن النبي صلى الله عليه و سلم أذن له في ذلك.
قال صاحب الطبقات (صــ149ـ) : ( و أن الشيخ محمداً زوجاته يلحقن التسعين و غصب خادماً هول [3] ناس أربجي ، اسمها زريقا حبسها سرية ، و تزوج بنات الشيخ بان انقا - أبو يعقوب - الاثنين كلتومة و خادم الله و قال له : السيد ما يمنعوه خدمه ، وجمع بين بنات أبي ندودة في رفاعة الاثنين ).
أرأيتم كيف يخرج على الشريعة باسم الولاية و الصلاح ؟! أرأيتم كيف يتجاسر هذا الرجل على ارتكاب المحرمات و الوقوع في المعاصي و المنكرات ؟! .
قد يقول قائل : لعل الولي هذا جاهلٌ بهذه الأحكام لأميته و جهله بالإسلام .
أقول : قد قام عليه القاضي (دشين) و أنكر عليه و أخبره بقبح فعله وعظيم جريرته ، فما انتهى و لا ارعوى
بل أصر و تمادي و كذب و افترى أن النبي صلى الله عليه و سلم أذن له في ذلك ، و قد ذكر ذلك صاحب
الطبقات في موضعين :
الأول : في ترجمة القاضي (دشين) (صـ90ــ)
و الثاني : في ترجمة محمد الهميم نفسه (صـ150ــ)
وهاك نص القصة العجيبة الغريبة التي جرت بين هذا الولي!! و القاضي (دشين) .
قال صاحب الطبقات (صــ 90ــ) : (وأعلم ان الناس أنكرات عليه إنكاراً شديداً ، و أنكر عليه القاضي (دشين) قاضي أربجي )
و استمع أخي لهذا الحوار يتجلى لك فيه الكفر و الزندقة و الضلال.
القاضي دشين : يا شيخ محمد خمّستَ و سدّستَ و عشّرتَ حتى جمعت الآن بين الأختين ، تخالف كتاب الله و سنة رسولهr.
محمد الهميم : الرسول r أذن لي بذلك و الشيخ إدريس بيعلم هذا.
القاضي دشين للشيخ إدريس : هذا الكلام صحيح ؟
الشيخ ادريس : خله بينه و بين ربه .
القاضي دشين للشيخ إدريس : ما بدور هدايتك بدور شهادتك [4].
الشيخ إدريس للقاضي دشين : اليعتق له معتوق يرجع في عتقه ، الرجل هذا الله عتقه.!
قال القاضي دشين مخاطباً محمد الهميم : جميع هذه الأنكحة فسختها .
قال محمد الهميم للقاضي دشين داعياً عليه : الله يفسخ جلدك.
فماذا كان؟؟؟
قال صاحب الطبقات صــ150ـ : و إن القاضي مرض و أنفسخ جلده مثل قميص الدبيبة . و شطح الشيخ شطحاً مع كونه أمياً لم يقرأ إلا لغاية الزلزلة قال رضى الله عنه و نفعنا به :
فإن كنت يا قاضي قرأت مذاهباً **** فلم تدر يا قاضي زمور مذاهــبنا
فمذهبكم نصـلح به بعض ديننـــا **** و مذهبـنا يعجم عليــكم إذا قلــنـا
قطعنا البحار الزاخرات وراءنا **** فلــم يدر الفقــهاء إيــن توجــهـنا
حللنــــا بوادٍ اســـــمه الفـــضـا **** فضـــاق بنــا الوادي ونــحن ما ضـــقنا
حللنا بقرب القاب روحاً من الدنا **** عــــرجنا شــموساً أخجلت شمس نورنا
ألحنا على العرش و الكرسي المعلى ولوحها **** لبسنا ثياب النور بحسن جمالنا . اهـ
هذه هي خاتمة الحوار الذي بلغ فيه الكفر مداه و الجهل منتهاه و أسفر القوم فيه عن عقائدهم و دينهم وهنا يبكى والله على ضياع العقيدة و الشريعة في أوساط هؤلاء الهمج الرعاع الذين لم يستضيئوا بنور السنة و القرآن بل عاشوا في كهوف الصوفية المظلمة و بيوتهم العنكبوتية و انغمسوا في أوحالهم و تلطخوا برجسهم و إفكهم و ضلالهم و رحم الله العلامة الحكمي حين قال :
فليت شعري من أباح ذلك ***** و أرط الأمة في المهالك
فيا شديد الطول و الإنعام ***** إليك نشكوا محنة الإسلام
و قد صدق و الله فالإسلام في محنة من هؤلاء و أمثالهم . و لي وقفات مع هذا الحوار :
الوقفة الأولي :
مع قول الشيخ محمد الهميم :( الرسول صلى الله عليه و سلم أذن لي بذلك!!!)
أٌقول هذا من الإفتراء و الكذب على الرسول صلى الله عليه و سلم ، و إلا فأين أذن لك ؟ و متى التقى بك ؟ و هل الرسول صلى الله عليه و سلم يأذن للناس في مخالفة الشريعة و هو أول من أمر بالتزامها و عدم مخالفتها و عدم الخروج عنها ؟ قال الله تعالى :{ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الامْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18)} (سورة الجاثية) و قال تعالى له : {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2)}(سورة الأحزاب) ، و قال الله تعالى له : { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا (74) إِذًا لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)}(سورة الإسراء) ، و قال تعالى :{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاقَاوِيلِ (44) لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} (سورة الحاقة) ، و قال الله تعالى عنه :{ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}(سورة الأنعام ) و قال تعالى : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلإ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}(سورة يونس).
أبعد هذا يقال إن الرسول صلى الله عليه و سلم أذن له ؟؟!!!! ، أيأذن لك الرسول صلى الله عليه و سلم أيها الأفاك بأن تتزوج تسعين امرأةً و ما أذن صلى الله عليه و سلم لمن كان متزوجاً بأكثر من أربع من أصحابه أن يبقى معهن بل أمرهمصلى الله عليه و سلم بطلاق ما زاد على الأربع مفارقة لما كان عليه الجاهليون ، فعن الحارث بن قيس بن عميرة الأسدي رضى الله عنه قال : أسلمت و عندي ثمان نسوة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : (اختر منهن أربعاً ) و الحديث في صحيح سنن أبي داؤود (برقم 2241) و في صحيح سنن ابن ماجة (برقم 1601) ، و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أسلم غيلان بن سلمة و تحته عشر نسوة ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( خذ منهن أربعاً ) و الحديث في صحيح سنن ابن ماجة (برقم 1602) و في الإرواء ( برقم 1883) وفي المشكاة (برقم 3176) .
فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه و سلم ما أذن للحارث بن قيس رضي الله عنه في البقاء مع تسع نسوة و ما أذن لغيلان بن سلمة رضي الله عنه في البقاء مع عشر نسوة و هما من أصحابه فكيف يأذن لهذا الولي المزعوم في أن يتزوج بتسعين امرأة ؟؟؟؟ هذا كذب عظيم و افتراء مبين على شريعة رب العلمين و على سيد الأنبياء و المرسلين ، و كيف يدعي هذا الكذوب أن النبي صلى الله عليه و سلم أذن له في أن يجمع بين الأختين و قد قال الله تعالى فيما حرم على المسلمين من النساء :{ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ إِلإ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)} (سورة النساء) ، و ما أذن النبي صلى الله عليه و سلم لأصحابه في هذا و حاشاه أن يخالف ما أنزل إليه ، فعن فيروز الديلمي – والد الضحاك بن فيروز– قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه و سلم إني أسلمت و تحتي اختان قال : (طلق أيتهما شئت) و الحديث في صحيح سنن الترمذي (برقم 1129) و في صحيح أبي داؤود ( برقم 2243) و في صحيح سنن ابن ماجة (برقم 1599) قال له: ( إذا رجعت فطلق إحداهما ). و في الصحيحين عن أم حبيبة أنها رضي الله عنها عرضت على رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ينكح أختها فقال : ( أنها لا تحل لي )
فحاشا النبي صلى الله عليه و سلم أن يأذن لأحد بارتكاب شيء مما حرم الله تعالى، فكيف يدعي هذا الدجال أن النبي صلى الله عليه و سلم أذن له أن يجمع بين الأختين بل و يغتصب إماء الغير؟؟؟؟؟!!!!. أليس معنى هذا أن النبي صلى الله عليه و سلم أذن له في الزنا ؟؟؟!!!
أخرج الإمام أحمد و الطبراني في الكبير و صححه الألباني في السلسلة برقم (370) من حديث أبي أمامة
رضى الله عنه قال : إن فتي شاباً أتى النبي صلى الله عليه و سلم ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ
وَقَالُوا: مَهْ . مَهْ . فَقَالَ: " ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا " . قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: " أَتُحِبُّهُ لامِّكَ ؟ " قَالَ: لا والله ، جَعَلَنِي
اللهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: " وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأمَّهَاتِهِمْ " . قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ ؟ " قَالَ: لا وَاللهِ يَا رَسُولَ الله .
جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: " وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ " . قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لأخْتِكَ ؟ " قَالَ: لا و الله ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: " وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأخَوَاتِهِمْ " . قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ " قَالَ: لا وَاللهِ . جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: " وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ " . قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ " قَالَ: لا وَاللهِ . جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: " وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ " . قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: " اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ " قَالَ : فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ .
فافتراء الكذب يا معاشر المتصوفة أثم عظيم لا سيما إن كان على الرسول الكريم r قال الله تعالى :{ انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)} (سورة النساء) و صاحبه لا يكون مفلحا ولياً ، قال تعالى :{ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69)} (سورة يونس) و أمثال هؤلاء يجب أن يجابهوا و أن يصرخ في وجوههم بما صرخ به الأنبياء في وجوه الكذبة ، فيقال لهم : { وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)} (سورة طه) و بمثل قوله تعالى :{ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)}(سورة النحل) .
- الوقفة الثانية :
مع قول الشيخ إدريس :(خله بينه بين ربه)
الشيخ إدريس هذا معدود كذلك من جملة الأولياء الذين ترجم لهم صاحب الطبقات صـــ8ـــ و سنعرض له في حلقة بمفرده إن شاء الله .
و عبارته هنا تدل على أنه من الدعاة إلى ترك شعيرة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر التي هي قوام هذا الدين ففي صحيح مسلم من حديث تميم الداري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة) و قال الله تعالى : { وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلإ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) } (سورة العصر) .
فلا أمر الشيخ بمعروف و لا نهي عن منكر بل أخذ يمنع من فعل ذلك ، و تركُ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا سيما على المشايخ قاعدة صوفية مسلمة ومن تقريراتهم لها قولهم :(من قال لشيخه لمَ ؟ لم يفلح) و (من اعترض طرد) و (كن بين يدي شيخك كالميت بين يدي المغسل) إلى غير ذلك من زخارفهم الشيطانية التي يراد من ورائها الخروج على الشريعة و إماتة شعيرة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
و ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ليس من صفة أولياء الله المتقين و جنده المفلحين إنما هي صفة المنافقين و اليهود و النصارى المارقين قال الله جل و علا : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) } (سورة التوبة ) و قال تعالى :{ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) } (سورة المائدة).
أما أولياؤه الصادقون و حزبه المفلحون فقد قال الله في صفتهم : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)}(سورة التوبة).
- الوقفة الثالثة :
مع قول الشيخ إدريس : ( اليعتق له معتوق يرجع في عتقه ، الرجل هذا الله عتقه.! )
أقول : ما معنى هذا الكلام ؟
معناه أن محمد الهميم قد تحرر من عبودية الله و أنه أصبح حر طليقاً غير مكلفٍ لا يتقيد بأمر و لا بنهيٍ ، بل إنه خرج عن عبودية الله بالكلية ، و هذا تقرير لقاعدة و عقيدة عند المتصوفة و هي أن (الولي يصل إلى درجة من الولاية تسقط عنه عندها التكاليف الشرعية ) فيرتكب المحارم و يترك الواجبات لأنه تحرر و خرج عن عبودية رب الأرض و السماوات ، أرأيتم زندقة و كفر أعظم من هذا ؟!
فالشيخ إدريس يقول للقاضي دشين : لا تحاسب هذا الرجل على أفعاله ، كزواجه من تسعين امرأة و جمعه بين الأختين و اغتصابه للنساء . لماذا ؟ لان هذه المحارم إنما يرعاها و يراعيها عباد الله و هذا الرجل قد تحرر من عبودية الله فلا سبيل لك عليه ، هذه فحوى كلامه - عامله الله بعدله - .
أقول : من أين أتيتم بهذا يا معاشر المتصوفة ؟ ألم يقل الله لسيد و لد آدم و خير من عبد الله و خير من كمّل مراتب العبودية :{ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ؟ (99) }(سورة الحجر) ، ألم يقل الله له : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ؟ (3)} (سورة النصر) ، أما قال عن عيسى عليه الصلاة و السلام : { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ؟(31)} (سورة مريم)
أما قال النبي صلى الله عليه و سلم عن الناجين من أمته : ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة (برقم 3544) و قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تزال )) يفيد الديمومة و الاستمرار و قوله صلى الله عليه وسلم : ((حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)) يفيد الثبات على ما هم عليه من الظهور بالحق و القيام به وعدم الترك له ، و((الحق)) مفرد معرّف تدخل فيه جميع الأوامر و النواهي ، فهل سمعتم أن أحداً من الصحابة أو التابعين أو أتباع التابعين أو من الأئمة المتبوعين ترك واجباً من الواجبات أو تجرأ على شيء من المحرمات و ادعى هذه الدعوى الشيطانية ؟؟ .
أما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مريضاً في آخر أيامه ؟ ففي البخاري عن الاسْوَدِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا قَالَتْ : ( لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتْ الصَّلاةُ فَأُذِّنَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : إِنَّكُنَّ صَوَاحِبَ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّة فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ الأرض مِنْ الْوَجَعِ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَكَانَكَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ ) قِيلَ لِلْأَعْمَشِ : وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاتِهِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ .
أما فارق الدنيا و هو يوصي بالصلاة ؟ فعن علي رضى الله عنه قال كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلاة الصلاة ، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم)) و الحديث في صحيح سنن أبو داؤود برقم (5156) و في صحيح سنن ابن ماجة برقم (2698)
أما قرأتم قول الله تعالى : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي
قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ؟ (133)} (سورة البقرة) ،
أما استفدتم من هذا الديمومة على شعيرة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حتى عند مفارقة الحياة ؟ ،
أقال أبناؤه سنتحرر من عبادة إلهك و إله آبائك أم قالوا : {نعبدُ إلهك و إله آبائك} ؟ و تأمل في إتيانهم بالفعل المضارع (نعبدُ) الذي يفيد التجدد و الحدوث و الاستمرار .
أما كان النبي صلى الله عليه و سلم ينهى عن المنكرات و هو يفارق الدنيا ؟ فعن عَائِشَة وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قالا : لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ : (( لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ)) يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. و الحديث في الصحيحين.
فالمتصوفة تركوا كل هذا و تركوا ولاية و عبادة الرحمن و أخلدوا إلى ولاية وعبادة الشيطان قال الله تعالى :{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)} (سورة يس) .
قال ابن القيم - رحمه الله –
فروا من الرقِّ الذي خلقوا له ***** فبلوا برِقِّ النفس و الشيطان
و هاك من كلام الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى- ما ينقض فرية هؤلاء الملاحدة الذين يفسرون اليقين في قوله تعالى : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}(سورة الحجر) بأنه المعرفة التي تسقط عندها التكاليف .
قال رحمه الله : " وقوله: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } قال البخاري: قال سالم: الموت
وسالم هذا هو: سالم بن عبد الله بن عمر، كما قال ابن جرير:
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، حدثني طارق بن عبد الرحمن، عن سالم بن عبد الله : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } قال: الموت
وهكذا قال مجاهد، والحسن، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم
والدليل على ذلك قوله تعالى إخبارًا عن أهل النار أنهم قالوا: { لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [5]} [المدثر: 43-47]
وفي الصحيح من حديث الزهري، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أم العلاء - امرأة من الأنصار- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون - وقد مات - قلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أن الله أكرمه؟" فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، فمن؟ فقال: "أما هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير"
ويستدل من هذه الآية الكريمة وهي قوله: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } -على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان مادام عقله ثابتا فيصلي بحسب حاله، كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صَلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جَنْب"
ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم. وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء، عليهم السلام، كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد الناس وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة. وإنما المراد باليقين هاهنا الموت، كما قدمناه. ولله الحمد والمنة، والحمد لله على الهداية، وعليه الاستعانة والتوكل، وهو المسؤول أن يتوفانا على أكمل الأحوال وأحسنها فإنه جواد كريم وحسبنا الله ونعم الوكيل". أهـ
الوقفة الرابعة
ذكر صاحب الطبقات كما مضى بنا أن القاضي دشين قد انفسخ جلده بسبب دعاء محمد الهميم عليه ، و هذه القصص و أمثالها كثير يخيفون بها الناس من أوليائهم هؤلاء و الله جل و علا قال : {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}(سورة آل عمران) ، و معنى (يخوف أولياءه) كما قال أهل العلم : يخوفكم أولياءه، و قال تعالى : {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)}(سورة الزمر) و هذا التخويف يعرف عند المتصوفة بمصطلح العطب ، فإذا خالفت الشيخ أو تكلمت فيه أو أنكرت عليه فإن الشيخ يصيبك بأذى على زعمهم و هم يذكرون هذا دائماً ، قال البرعي السوداني عامله الله بعدله في مدحه لأحمد الطيب البشير:
و مـــــن زاره لله ثــم أحــــــبــــه **** بصـــدق له تـــــاج و الولاية يوهب
يموت على حسن الختام مكرماً **** سعيداً و ذو الإنكار في الحـال يعطب
و مشايخهم هؤلاء في حقيقة أمرهم سحرة مردة و ما هم بضارين بسحرهم أحداً إلا بإذن الله ، و لا يخافهم إلا الجهلة أصحاب العقائد الفاسدة، أما أهل الحق فإنهم يصيحون في وجههم بما صاح به نوح عليه السلام :{ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71)} (سورة يونس) و بما صاح به هود عليه الصلاة و السلام لمّا قال له قومه :{ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} ، قال :{ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)}(سورة هود) .
فأهل الحق و المعتقد الصحيح لا يخافونهم لانهم يعتقدون قوله تعالى :{ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)} (سورة التوبة) و قوله صلى الله عليه و سلم لابن عباس رضى الله عنهما : ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف)) صحيح سنن الترمذي برقم (2516) و غير هذا كثير في
القرآن و السنة مما يهُدّ و يدُكّ العقائد الفاسدة ويزلزل عروش الطواغيت .
الوقفة الخامسة:
مع أبيات الشطح
قال الهميم :
فإن كنت يا قاضي قرأت مذاهباً **** فلم تدر يا قاضي زمور مذاهــبنا
أقول : القاضي قضى عليك بما دل عليه كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ، و القاضي يدري مذهبك و هو مخالفة الكتاب و السنة ، و لذا قال لك : تخالف كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18)}(سورة الجاثية) ، و قال تعالى : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)}(سورة القصص).
قال الهميم:
فمذهبكم نصـلح به بعض ديننـــا **** و مذهبـنا يعجم عليــكم إذا قلــنـا
أقول : كلام الهميم واضح في أنه يصلح بعض دينه بالكتاب و السنة فبمَ يصلح بقية دينه ؟؟؟!!!!
يصلحه كما سمعتم بمخالفة الكتاب و السنة و بالتمرد على الأحكام الشرعية ، هذا هو طريق الإصلاح عند
الصوفية وهو عين الفساد و الإفساد في الطريقة المحمدية ، قال الله تعالى :{ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)} (سورة المؤمنون) ، فالصلاح و الإصلاح في التمسك بالكتاب و السنة ، قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)} (سورة الأعراف) ، و كلام الهميم واضح في أن الكتاب و السنة لا يكفيان لإصلاح جميع دين العبد و الله تعالى يقول :{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)}(سورة العنكبوت) ، و ما ذكر الله كفاية ما أنزله للناس في أي شيء ؛ ليعم ، فدل هذا على أنه كافٍ للناس في كل شيء و قال الله جل و علا عن سيد الصالحين المصلحين : { قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)} (سورة سبأ) و قال تعالى:{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} (سورة الأعراف) ، و إصلاحها يكون بالشرائع و الكتب المنزلة على الرسل ، و لكن الهميم و من كان على شاكلته لا يرون الصلاح و الإصلاح في كتاب الله و لا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأي زندقة فوق هذه الزندقة و أي كفر فوق هذا الكفر ؟؟؟!!!!!!
قال الهميم:
قطعنا البحار الزاخرات وراءنا **** فلــم يدر الفقــهاء إيــن توجــهـنا
أقول : الفقهاء و على رأسهم الأنبياء يدرون أين توجهتم ، توجهتم إلى بحار الكفر و الزندقة و الضلال و الخروج على الشريعة و إلا فأنت أميّ لا تقرأ ولا تكتب فلا علم لك بعقيدة و لا بفقه و لا بأصول و لا بلغة ولا بحديث ، و من كان هذا حاله و ترك الشريعة وراءه فإلى أين سيتجه ؟؟!! و الصوفية يصرون على إعلان هذا و إذاعته و تكراره من أنهم خاضوا بحاراً وقف الأنبياء بسواحلها ، وهذا الذي قرره شيطانهم الأكبر الحسين بن منصور الحلاج و نظمه البرعي السوداني المفتري معجباً به حيث قال :
قــال الــحسـين على معـبودكم قدمي ***** و ضــعته يــالـــه مـــن عــارف كـــاس
و قال خضت بحــراً زاخــراً وقفــت ***** بســـاحلٍ منـــه رســـل ســـادة النـــاس
هذه البحار لا نشك أنها بحار الكفر و الزندقة و حاشا الأنبياء أن يقربوها فضلاً عن خوضها ، و البرعي هنا يصف الحلاج بتمام المعرفة و كمالها لأنه وضع قدمه على معبودنا و هو الله جل و علا سبحانه وتعالى عمّا يقولون علواً كبيرا.
قال الهميم:
حللنــــا بـــــــــوادٍ اســـــمه الفـــضــــــــا **** فضـــاق بنــا الوادي ونــحن ما ضــــقنا
حللنا بقرب القــــــــــاب روحاً من الدنـــــا **** عــــرجنا شــموساً أخجلت شمس نـورنا
ألحنا على العرش و الكرسي المعلي و لوحها **** لبســــــنا ثيــــــاب النـــور بحسن جمـالنا
أقول : الآن أفصح الكذوب عن وجهته و هي القول بالحلول فالحمد لله الذي فضحك بلسانك و كشف عوارك بكلامك ،
وإن تعجب أخي القارئ فاعجب من استحسان صاحب الطبقات لهذه الأبيات التي انطوت على الكفر و الإلحاد في أسوء صورهما و أخبث معانيهما فقد قال صـــ151ــ : (فانظر في هذا الشطح العظيم الذي لم يقع إلا من الجيلي و البدوي و الرفاعي قد وقع من رجل أميٍّ لم يقرأ شيئاً إلا من الناس إلي الزلزلة)
أقول : هذا ديدن الصوفية و هذا نتنها ، و الذين وقع منهم هذا كثير و سنذكر هذا في مواضعه إن شاء الله.
و قد يقول الكثير من المغفلين: كيف استطاع هذا الرجل نظم هذا الكلام و هو أميٌّ ؟ فهذا دليل على ولايته و صلاحه . و هذا يحتج به الكثير ممن اغتروا ببرعي السودان – فتنة الجهلة في هذا الزمان – لكثرة أشعاره وهذيانه .
و أقول : هذه الأشعار في حقيقتها تنزلات و فتوحات شيطانية لا رحمانية ،قال الله تعالى :{ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ
تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)} (سورة الشعراء) ، و قال تعالى : { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} (سورة الأنعام) ، و كم من ماجنٍ فاسق سكير عربيد مريد ينظم مثل هذه الأشعار و أعظم منها ؟
و متى كان نظم الأشعار دليلاً للولاية و الصلاح ، قال الله تعالى :{ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) } (سورة يونس) ، فأولياء الله هم المؤمنون الأتقياء .
خاتمة
خاتمة أمر هذا الولي المزعوم أنه هلك بمنطقة يقال لها ( المندرة) و دفن بها و أصبح قبره يزار و تشد إليه الرحال و إليه يحج و به يطاف !!! فأي ضلال فوق هذا الضلال و إنه والله زمان العجب حيث يعتقد الكثير من الناس ولاية و صلاح الزنادقة و المنافقين و كفر و زندقة المتمسكين بشريعة رب العالمين ، و صدق شيخ الإسلام المجدد الذي جعله الله غصة في حلوق الملاحدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر و الثواب حيث قال في كتابه : ( كشف الشبهات ) : (وأهل زماننا يدعون مع الله أناسا من أفسق الناس ، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك . والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به .)
قال صاحب الطبقات في خاتمة ترجمة محمد الهميم صــ151ــ : ( و توفي بها – يعني المندرة – و دفن بها و قبره كعبة محجوجة !!!!!! )
أقول : حج المتصوفة كما ترى إلي القباب و الأضرحة و أماكن الأوهام و الظلام ، وحج الموحدين إلي بيت الله الحرام ، قال تعالى:{ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ....( 28)} (سورة التوبة) ، وقال تعالى :{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)} (سورة الحج).
************************************
و أقف هنا و أضع القلم ليس مودعاً ولكن إلي لقاء آخر مع ولي آخر!!!!!! إن شاء الله تعالى
كتبه : أبو عكرمة وليد بن فضل المولى الخالدي السوداني
6\ صفر \1432 هـــ
[1] - يعني أنزلوه منزلتي و تعاملوا معه كتعاملكم معي
[2] - سيأتيك هذا الشطح فلا تعجلنّ.
[3] - كلمة عامية بمعنى ملك .
[4]- يعني لا اريد منك ان توجهني إلي ما افعله و إنما أريد منك الشهادة على صحة قول الرجل أو عدمها
[5]- مراده - رحمه الله – أننا لو فسرنا اليقين بالمعرفة التي تسقط عندها التكاليف كما يدعيه الأفاكون لكان الكفرة يدركون هذه المنزلة بنص الآية.